الأربعاء، 5 يناير 2011

دكان الحكومة ورائحة الثورة





  دكان الحكومة ورائحة الثورة


في العلوم العقلية يدرس هناك الجهل ، ويتم تقسيمه الى قسمين - مع وجود انواع اخرى ليس مقامها هذا المقال - : جهل بسيط وجهل مركب ، والبسيط هو المتعارف عليه لدى الناس وهو الجهل الذي تعلمه باول نظرة ومن اول كلمة ، فعندما يتحدث شخص عن بعض المعارف وهو غير عالم بها فهو اذا بكل تاكيد جاهل بسيط ، ولاصعوبة في فهم هذا الجهل او معالجته بصورة بسيطة ومعلومه ، الا ان القسم الاخر وهو المركب تكمن الصعوبة فيه فهو جهل غير معتاد ، ويمكن اعتباره انه جهل فوق جهل ، اي بمعنى ان ذاك الشخص لديه جهلين ، جهل اولي بالحديث وجهل مركب عليه وهو جهله بمعرفته انه جاهل بجهله ، فتجد نفسك امام جهل مركب مطبق !

ولتوضيح ماتقدم فاننا نقول لتقريب الصورة ان هناك افراد من الشعب - وللاسف - لديهم جهل بسيط كما بينا انفا ، وكم هي دعواتنا وامنياتنا في ان يرفع الله عزوجل عنهم ما ابتلاهم به ويبدلهم بنعمتي العقل والتفكير ، اما الصورة الاخرى والتي تعني بالجهل المركب فلا نجد كما هو الواقع مثال اقرب للبيان والتشبيه من مثال الحكومة ، فهي وكما هو معلوم فوق انها جاهلة بكل شي تتكلم عنه داخل في امور السياسة والحكم والدولة ناهيك عن التنمية فهي بالاضافة الى ذلك نجد ان كاسها قد مُلئ ايضا بالجهل المركب ، واصبحنا امام حكومة جاهلة تجهل جهلها ، ولم تصب الامم والدول ببلاء فوق ذلك ، لانها تجد تبريرا لكل فعل تقوم به ، ومع هذا فهي تستخدم هذا الجهل في تعاملها مع الافراد من الشعب ، ولك ان تتخيل اخي القارئ ماهي الصورة النهائية لتراكمات تتسم بالجهل البسيط تارة والمركب تارة اخرى !

ولست بصدد افراغ غضبي على هذه الورقة ولو اردت ذلك لما كفتني هي ومثيلاتها ، لان الله يزع باليد ما لا يزع بالقلم ، ولست بصدد شرح المشهد السياسي لانني باختصار لا اراه كذلك بقدر ما اراه مخاضا سياسيا نمر به ، ولكن ما اعنيه بهذا المقال ان الوضع المعاصر اصبح شبيه لدرجة عدم المفارقة بحالة اقتصادية تتحكم بها قوانين العرض والطلب ، والحركة والسكون ، وليس بها ثمة اي علاقة بينها وبين السياسة التي نقراها في الكتب والنظريات ، او عالاقل بتسيس السياسة كما ورد على لسان احداهن !
 
ولذا ارى ان الوضع الحالي هو عبارة عن تجارب نيابية بدات منذ عهد الصدر الاول من الدستور ومازالت تلك التجارب النيابية تسعى حثيثة وكلها امل بفعل قواعدها الشعيية الابية للوصول الى سنام الديمقراطية ، واظن - وهو عندي ليس بيقين - ان من الخطا اطلاق كلمة الديمقراطية على البرلمان الكويتي ، واجد ان من الاجدر والاوفق اطلاق كلمة التجربة النيابية او المخاض الديمقراطي ، لما اراه من فقدان مفاتيح اللعبة الديمقراطية السياسية !

ولكنني - واعتذر عن ذلك - اجد ان تلك التجربة كانت فيما مضى وورد عليها الوقف دون الانقطاع ، خلال السنوات الانفة ، وتلبست بطابعها الاقتصادي مرة اخرى دون اي سابق انذار بملبوسها الجديد ، اما تلك الصورة فهي صورة ( الدكان ) فاصبح البرلمان اليوم عبارة عن دكان للحكومة ومانواب الامة - ان صح التعبير - الا زبائن ذلك الدكان ، وبهذا لانجد الاستغراب ماثلا متى ما اقفلت الحكومة دكانها متى شاءت وفتحته متى طلبت واشترت متى احتاجت وباعت متى ارادت !

ومما يجعلنا في حل وهو من الجائز وحق مشروع للجميع استبدال كلمة سياسة الحكومة الى كلمة اخرى بديلة ، ولا يشترط بها قرب معناها او مقاربة فحواها ، فيكفي وهو لك ان تقول شركة الحكومة او دكان الحكومة او بالاحرى بيت الحكومة ، وليس من الخطا بشيء كذلك استبدال كلمة الحكومة بناصر المحمد ، ولك ان تتصور روعة صياغة الكلمات  المذكورة سلفا وبلاغتها باضفاء رونق سموه الكريم !

حينما وصلت الاخبار الى تشرشل عن ثورة ١٩١٩م - الثورة المصرية الوطنية - سالهم ماذا يريدون ؟ فقالوا : يريدون دستورا وبرلمانا ! فقال : Give them a toy to play with ! .. ما عنيه تشرشل انذاك هو ان الشعوب العربية وعلى راسها مصر مهما بلغت من تحرك شعبي جاد نحو كسب مطلب الديمقراطية والدستور فانهم لن يجدوى منفعة من ورائها ، لانها باختصار لعبة يتم اعطائهم اياها لكي يتم اسكاتهم وهم سعداء ، وهذا الوصف قريب جدا لما صرح به د.عبدالله النفيسي في احد مقابلاته التلفزيونية من ان الديمقراطية العربية لا سيما الخليجية التي سمحت بها الامبريالية الاجنبية المستعمرة تخضع لشعار ( قل ماشئت .. وافعل انا ما اشاء ) فاصبحت الديمقراطية لتلك الشعوب افيونا ولعبة يتم التسلي بها فقط ، تحت هذا الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي ، الا ان ذلك من الممكن التسليم به فيما مضى اما مانستشفه في المستقبل من هذه الايام الدول ، ماهي الا ان اللعبة عادت الى مقصلة تشبه مقصلة الثورة الفرنسية ، الا انها ستكون لكل من تسول له يده بالمساس بالدستور والعبث بنظامه وتجريد الامه من سيادتها وسلب حرية اختيارها ، وهنا اتذكر مقولة للعملاق الموسوعة جبار القلم عباس العقاد حينما كان نائبا في مجلس ١٩٣٠م وتم العبث بالدستور المصري ققال : ( ان هذا المجلس على استعداد ان يسحق اكبر راس في البلاد في سييل حماية الدستور وصيانته )  وقال في موضع اخر : ( ان الاستبداد لايقف عند حد ولايعرف القيود والمحرمات فاذا طمع اليوم في شيء فسيطمع غدا مماهو اكثر منه واذا قلت اليوم انك ترضيه بالطاعه في هذا وذاك من الامور فلن ينقضي عليك ايام حتى تعلم ان الطاعة في هذا وذاك من الامور لايرضيه ولا تكفيه وانه ينتظر منك المزيد والمزيد حتى لاتعلم الفارق بين الرضا والغضب ) .

قد كتبت فيما مضى وتحديدا في تاريخ ١٥ نوفمبر ٢٠٠٩م مقالة عنونتها ب ( الطريق نحو الثورة ) ثم اتبعتها بمقالتين وهما : ( معالم على طريق الثورة - الحرية حطب الثورة) وتطرقت بتلك المقالات ما اقصده من الثورة ، التي تنبات بها منذ ذلك الحين ، واجد ان الايام تصدقني ، وها انا اراقبها حذوة القذة بالقذة بعين المتامل المراقب ، الا انني اليوم قد شممت رائحتها عن قرب ، والعجيب ان الرائحة تخرج من دكان الحكومة !

كم هو جميل ان تستعيد قراءة كتاب ( كفاحي ) للفيلسوف هتلر - ذلك النازي الذي اتغنى به - لا سيما فصله ( النظام البرلماني ) والذي اجد فيه انه يخيط لنا ثوبا نرتديه بدلا من ثوبنا الاخرق !

 يقول هتلر - وما اجمل مايقول - :
 
( ان نظامنا البرلماني بحالته الحالية لايهمه قيام مجلس تحتشد فيه الكفاءات بقدر مايهمه حشد قطيع من الاصفار يسهل توجيهه بحيث يظل الممسك بالخيط من وراء الستار بعيدا عن كل مسؤولية ، وفي كنف هذا النظام تنتفي كل مسؤولية حقيقية ، وعندي ان هذا النظام لايعجب الا المرائين الذين يخشون العمل في وضح النهار ولايمكن ان يطمئن اليه كل رجل حر مستقيم . 

 ان الزعيم ليعد نفسه سعيدا ومحظوظا اذ يُدْعَى الى اتخاذ قرارات مهمة فيجد الاكثرية مستعدة لتغطيته ، ويكفي للحكم بفساد النظام البرلماني ان تقع العين مرة واحدة على احد لصوص السياسة وهو يستجدي بقلق وقبل ان يتخذ قراره موافقة الاكثرية على هذا القرار مُؤَمِناً بذلك العدد اللازم من الشركاء حتى اذا قام من يناقشه الحساب تنصل من كل مسؤولية .

لقد شقوا عصا الطاعة لا على الامة ولا على الدولة نفسها بل على اسلوب في الحكم يهدف الى القضاء عليهم ، وافهموا هؤلاء انه لايحق للدولة ان تفرض احترامها على الشعب عندما تعبث بالمصالح العامة وتتعمد الحاق الاذى بهذا الشعب وان سلطة الدولة لايمكن ان تكون غاية بحد ذاتها والا كان كل طغيان مكرسا ومقدسا ، وعندما تقود الحكومة الشعب الى الخراب بشتى الوسائل والامكانات يصبح عصيان كل فرد من افراد الشعب حقا من حقوقه بل واجبا وطنيا ) .

خلاصة ماتقدم ان ماتقوم به الحكومة بجهلها المركب مع افراد الشعب لهو نذير شؤم لها ، تابط به الشعب شرا ، وستنبئنا الايام صدق هذه الرائحة المنبثقة من الدكان ، وحينها سيكون لي تامل اخر بعين اخرى .. وبالتاكيد سيكون بقلم من رصاص !

السبت، 31 يوليو 2010

* سائق لدولة السماء *










سائــق لدولة الســماء


---------------




الحمدلله .. الحمدلله .. الحمدلله

سبحان الحي القيوم .. سبحان من كل يوم هو في شأن ..

سبحان من كتب على خلقه الفناء .. وتفرد بجلاله بالبقاء ..

سبحان الدائم الواحد .. سبحان القائل : لمن الملك اليوم ! .. سبحان المجيب : لله الواحد القهار ..

احمده حمد الشاكرين لنعمه .. الصابرين لحكمه .. الطامعين لعفوه ..

كيف ابدء وهل لهذا المقام من حقيقة في دائرة المجاز ..
كيف ابدء وهل للكلمات من وجود في عالم العدم ..
كيف ابدء وهل من يقين للمفر من هذه الشكوك ..
كيف ابدء وهل للأقلام من مداد وقد وقف السداد ..


أقول ..

من اليسير جدا استقبال مفاجآت هذه الدنيا من مآسيها وافراحها .. ومن المناسب جدا اعتياد ذلك والتعود عليه واحدة بعد الاخرى .. فقد تأتي عليك اخبار مفرحه والامر لديك لا يتعدى ابتسامه على فمك ثم ينتهي الامر وتجد تلك البسمه لم تلامس قلبك .. وقد تأتيك اخبار محزنة ولا تتعدي دمعات بسيطة بأسوء الاحوال قد تطول معك ساعات او ايام ثم لا شيء بعدها .. من حكمة دولة الايام ان تعلمك ذلك وتعودك على سننها التي خلقت فيها ..

فقد يطيب العمر الا ساعة وقد تسع الارض الا موضعا ..

الا ان هناك شعور مختلف يخرق تلك السنن لكي تعلمك ان لا شيء دائم على فطرتك وان هناك ماهو دائما معجز وغريب ولا يخطر على ومضة من فكرك !

انتقل الى رحمة الله عمر ابراهيم الرفاعي بحادث مؤلم - عصرا !!

عفوا ..
هل تقصد عمر ذاك الذي كنت اتحدث معه اليوم وقت الظهيره اثناء عودتي من العمل ، ذاك الذي ابلغني بموعد لللقاء قريب نتحدث فيه بعد غيبه ايام لا تتجاوز اليد الواحده ، ام هو شخص اخر لا اعرفه وصل خبره لي من باب اخبار العامه !

نعم هو ذاك !

ذااااااااااااااااك !!

مجرد ثلاثة احرف جعلتني في معزل عن ماديات الحياة ، اخذتني من فراغ الشك الى معمعة اليقين ، لم تمر الا ومعها امواج من الآلام تلطمني يمنة ويسرة و ألقتني معها الى شاطئ الأحزان !

هل يمكن للكلمة ان تخلق انسان اخر !

نعم ..

هذا ماحصل لي بالذات حرفيا ، مجرد كلمة تؤكد وفاة اخي عمر الا وجدت نفسي قد مت وخلقت في نفس اللحظة الا انني لم اجد نفسي ذاك الانسان صاحب المشاعر بل من الخطأ وصف الانسانية لي قبل ذاك الخبر ، وفجأة وجدت نفسي مصدوم ، لم يكن لي لسان يذوق الحياة سوى لسان يذوق الصدمه لاول مرة .

كيف هو شعور الصدمه ! ، لا اعلم ، ولكنه قريب من ان يجعلك انت وكرسيك واحد ! ، هل من الممكن لكلمة ان تفعل ذلك ! نعم لانها تجر ورائها سيلا من الضربات تفقدك معنى الحس الوجداني الانساني ، نعم هي تفعل ذلك لانها مصحوبة بقدر الله !

ماكنت اعلم ان للدموع مذاق الا بعد ان فقدت عمر !

كنت اسمع كحال غيري ان هناك صوت يدعى النحيب ماسمعته الا بعد ان فقدت عمر !

قرأت عن الفراق والغربه والهجر ولكن لم يتجاوز ذلك اسطر من الكتب ما احسسته الا بعد ان فقدت عمر !

ما شعرت ببرد الوجنتين من هطول الادمع الا بعد ان فقدت عمر !

ما علمت ان للعين نصيب من الغمام والسحاب الا بعد ان فقدت عمر !

ما كنت اعلم ان للحناجر سجون تخنق فيها الارواح الا بعد ان فقدت عمر!

لم اشعر يوما ان القلب ينفطر الا بعد ان فقدت عمر !

كنت اشك ان اللسان قد ينأسر يوما من الكلمات ، وأيقنت ذلك بعد ان فقدت عمر !

بالله عليكم اخبروني هل صحيح ان للانسان قلب تسمع خفقاته ، لانني فقدته ضرباته بعد وفاة عمر !

لِمَ اختار القدر عمر بالذات !

تلك هي الحكمة التي يضل بها كثير من الناس لِمَ ولماذا !
يجب الوقوف عندها وعدم تجاوزها لاننا مؤمنين ان لو اختار الانسان حياته لما اختار الا قدره المكتوب .. وهل هناك افضل من قدر كتبه الله لكي نعيشه !

لم يكن هناك اختلاف بيني وبين عمر ، هو في مقتبل العمر وكانت لديه احلام وانا كذلك !

عفوا !

هل قلت لم يكن هناك اختلاف !
يا لسخرية لساني وفلتاته الغير محكمه ، كيف اجترء بقول ذلك !

عفوا بل كان هناك اختلاف !

وهو انه عند وفاته رحمه الله كانت خاتمته مفرحه وكأنها الماء والثلج والبرد .. حيث وجدنا اصبع سبابته مرتفع الى السماء الى حياة الازل والخلود يعلن خير مافي هذي الملعونه وهو شهاده ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. وكأن سبابته تشير الى موعد هناك في الفردوس وكأنها تقول اجعلوا لي مكان بجانب جدي .. وكأنها تنطق اريد رؤية ربي .. كان هناك سباق بين روحه الطاهره واصبع سبابته ايهما يصل الى دولة السماء ، دولة الخلود ، اصبع يحمل بين ثناياه بشارة الايمان ، وروح كانت تتقلب بين السماء والارض ..

ارتفع الاصبع منفردا طليقا حر وكأن الشوق كان يعصف بدمه فلم يتمالك نفسه قبل الوفاة الا واشار الى مكانه في الخلود هناك عند مقعد صدق عند مليك مقتدر، لم يتحمل الاصبع ثواني قبيل وفاته ويشير في حياة الروح الى مكانه ولكنه سابق تلك الحياة واعلنها مدوية لكل ذي عقل يتعقل به في حياة الجسد قبل حياة الروح انني هناك ، هناك في الأعلى ، فهي والله وبالله وتالله لهي الحياة الحقيقة ، فلا تغرنكم حياتكم المجازية ، فلو انها كانت بالميزان شيء لما سقى الله فيها شربة لكافر !

اشار الاصبع الى الاعلى واشارت بقية اصابعه الى الاسفل ، وكأني اسمعها تنطق لمن شك بحياة الروح والخلود : هييي يا انت ايها العاقل كيف تشك بالحساب ونحن اصابع يد واحده قد ايقنا ان للطين حياتين هنا وهناك ! ، وعلمنا أن لا وجود الا لصاحب الوجود ، الا للفرد الصمد الواحد الاحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد .. كيف غبت بالمكونات عن صاحب المكونات ، كيف انشغلت بالوجود عن صاحب الوجود ، كيف سكرت بالأولى عن مالك الأولى والأخرة !

ارتفع الاصبع وهو ينادي هيييي ايها الطين اللازب لابد مهما خلدت فلابد من مداد كلماتك ان تنتهي في دولة الارض وسيكشف عنها هناك في الأعلى في دولة السماء .. هيييه ايها الصلصال انظر هناك فثمة حياة تنتظرك ماذا اعددت لها من قول وعمل .. الى متى وانت غافل مع هذه الدنيه ألم تأتي فكره اليقظة بعد سكره النوم ..

اشار الاصبع الى العالم الأعلى ليجعل نفسه سائقا لكل من كان له قلب الى الله عزوجل رب الأولى والآخرة ، ليجعل نفسه دليلا لكل ذي بصيرة الى ان ثمة حياة اخرى هناك في الأعلى .. في دولة السماء ..

والله لو خيروني بين ذاك الاصبع وبين الدنيا ومافيها لاخترت الاصبع وبلا جدال ..

عفوا .. هل قلت لو خيروني !!

يالسخرية لساني .. ألم أقل لكم من الصعب التحكم بفلتاته .. كيف اجترء على ذلك !!

وهل من المعقول ان نوزن السماء والارض بميزان واحد ثم نرجح !

وهل من المناسب ان نقيس الدنيا والاخره بمقياس واحد ثم نختار !

وهل من المحتمل ان نقارن الحقيقة و المجاز بمقارنة واحد ثم نعلل ونسبب !

وهل من الحق ان نجادل بين الفناء والخلود ثم نوضح ونستبين !

كيف ذلك !

عفوا .. فوالله الخيار مستحيل .. فلا يجوز الخيار .. ولا آلة تسعفني في ذلك .. بل سأطلب .. وآلة طلبي ..الدعاء ..

ان يجعلني الله من اصحاب تلك الاصابع التي ترتفع قبيل الوفاة لتعلن قيام دولة السماء لجسد التراب والماء !


هنيئا لك ياعمر تلك الشهاده .. ونحسب انك في صف جدك .. وهنيئا لك ذلك ..


واحسب انها بدايه لمشاعر الصدمات في عجلة الايام .. اسال الله فيها الصبر على حكمة قضاءه وقدره ..

وانا لله وانا اليه راجعون ..


-------------------------------------------

قصيدة " عنوان الحكم ".. للشاعر والأديب أبي الفتح البستي ...


زيادةُ المرءِ في دُنياه نُقصانُ = ورِبْحُه غيرَ مَحْضِ الخير خُسْرانُ
وكل وجدانِ حظٍّ لا ثباتَ لـه = فإنَّ معناه في التحقيق فِقْــدانُ
يا عامراً لخرابِ الدَّارِ مجتهداً = بالله هل لخراب العمر عمران ؟
ويا حريصاً على الأموالِ تجمعُها = أُنْسيتَ أنَّ سرورَ المالِ أحزانُ ؟
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها = فَصَفْوُها كدرٌ والوصلُ هِجْـرانُ
وأَرْعِ سَمْعَك أمثالاً أُفصِّلُهـا = كما يُفَصَّل ياقـوتٌ ومَرْجــانُ
أحْسِنْ إلى الناسِ تَسْتعبِدْ قلوبَهُمُ = فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إحسـانُ
يا خادمَ الجسم كم تشقى بِخِدمتِه = أتَطلُبُ الرِّبْحَ فيما فيه خُسْرانُ ؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها = فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسـانُ
وإن أساء مسيءٌ فليكُنْ لك في = عُروضِ زَلّتِه صَفْـحٌ وغُفـرانُ
وكن على الدهرِ مِعْواناً لذي أملٍ = يرجو نَـداك فإنَّ الحرَّ مِعْـوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ الله مُعتصِماً = فإنه الرُّكـْنُ إن خانَتْكَ أرْكـانُ
من يتق الله يُحمَد في عواقبه = ويَكْفِه شرُّ من عزوا ومن هانوا
من استعانَ بغير اللهِ في طلبٍ = فإنَّ ناصِـرَه عَجْـزٌ وخِـذْلانُ
من كان للخيرِ مَنَّاعاً فليس له = على الحقيقةِ إخـوانٌ وأخْـدانُ
من جادَ بالمالِ مالَ الناسُ قاطِبةً = إليه والمـالُ للإنسـانِ فَتَّـانُ
من سالَمَ الناسَ يَسلمْ من غوائِلِهم = وعاش وهو قَريرُ العينِ جَذْلانُ
من كان للعقلِ سلطانُ عليه غَدا = وما على نفسِهِ للحرصِ سُلطانُ
من مدَّ طَرْفاً لفَرْطِ الجهلِ نحوَ هَوىً = أغضى على الحقِِّ يوماً وهو خزيانُ
من عاشَرَ الناسَ لاقى منهمُ نَصَباً = لأن سـوسَهُـمُ بَغْـيٌ وعُـدوانُ
ومن يُفَتِّشْ عن الإخوان يَقْلِهِمُ = فَجُـلُّ إخوانِ هذا العَصْرِ خَـوَّانُ
من استشارَ صروفَ الدهرِ قامَ له = علـى حقيقـةِ طَبْـعِ الدهرِ بُرهانُ
من يزرعِ الشَّرَّ يَحْصُدْ في عواقِبِه = ندامـةً، ولِحَصْـدِ الـزَّرْعِ إبَّـانُ
من استَنام إلى الأشرارِ نامَ وفي = قميصِـهِ منهُـمُ صـلٌّ وثُعبــانُ
كن رَيِّق البِشْرِ إنَّ الحرَّ هِمَّتُه = صحيفـةٌ وعليهـا البِشْـرُ عُنْوانُ
ورافِقِ الرِّفْقَ في كلِّ الأمورِ فلم = ينْـدَم رفيـقٌ ولـم يَذْمُمْـهُ إنسانُ
ولا يغرَّنَّكَ حَظٌّ جَرَّهُ خَرَقٌ = فالخُرْقُ هَدْمٌ ورِفْقُ المـرءِ بُنْيـانُ
أحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرةٌ = فلن يَدومَ على الإحســانِ إمكـانُ
فالروض يزدان بالأنوار فاغمة = والحـرُّ بالعَـدْلِ والإحسـانِ يَزْدانُ
صُنْ حُرَّ وجهِك لا تَهْتِك غِلالَتَه = فكـلُّ حـرِّ لحـرِّ الوَجْـهِ صَـوّانُ
فإنْ لقيـتَ عَدُواً فالْقَـهُ أبـداً = والوَجْـهُ بالبِشْرِ والإشراقِ غَضّـانُ
دَعِ التكاسُلَ في الخيراتِ تَطْلُبُها = فليـس يسـعدُ بالخيـراتِ كسـلانُ
لا ظِلَّ للمَرْءِ يَعْرى من تُقىً ونُهىً = وإنْ أظلَّتــــه أوراقٌ وأفْنـــانُ
والناسُ أعوانُ من والتْهُ دَولَتُهُ = وهــم عليـه إذا عادَتْـهُ أعــوانُ (سَحْبانُ)
من غيرِ مالِ (باقِلٌ) حَصِرٌ = و(باقِـلٌ) فـي ثـراءِ المالِ (سَحْبانُ)
لا تودِعِ السِّـر وشَّـاءً يبوحُ بهِ = فمـا رَعـى غنماً في الدَّوِّ سِرْحـانُ
لا تحسبِ الناسَ طبعاً واحداً فلهم = غرائـزٌ لسـتَ تُحْصيهـنَّ ألــوانُ
وما كلُّ مـاءٍ كصـدّاءٍ لـوارِدِهِ = نَعَـمْ، ولا كـلُّ نَبْـتٍ فهو سَعْــدانُ
لا تَخْدِشَنَّ بمَطْلٍ وَجْـهَ عارِفـةٍ = فالبِـرُّ يَخْدِشُــه مَطْــلٌ ولَيـّـانُ
لا تَسْتشِرْ غيرَ نَدْبٍ حازمٍ يقظٍ = قد استَـوى فيـه إســرارٌ وإعلانُ
فللتدابير فرسان إذا ركضـوا = فيهـا أبـروا، كمـا للحـرب فرسان
وللأمـور مواقيـتٌ مقـدرةٌ = وكــل أمـر لـه حـد وميــزان
فلا تكُنْ عَجِلاً بالأمـر تَطْلبُـه = فليـس يُحمَـدُ قبـلَ النُّضْج بُحْرانُ
كفى من العيش ما قد سَدَّ مِن عَوَزٍ = ففيـه للحُـرِّ إن حقَّقْــتَ غُنْيـانُ
وذو القناعةِ راضٍ من معيشتِـهِ = وصاحبُ الحِرصِ إن أثْرى فغضبانُ!
حَسْبُ الفتى عَقْـلُه خِلاًّ يُعاشِرُه = إذا تحــامـاه إخـوانٌ وخُــلاَّنُ
هما رَضيعا لِبانٍ: حِكمةٌ وتُقًى، = وساكِنـاً وطـنٍ: مـالٌ وطغيــانُ
إذا نَبـا بكريـم مَوْطِـنٌ فلـه = وراءَهُ في بسيـطِ الأرضِ أوطـانُ
يا ظالِماً فرِحاً بالعـزِّ سـاعَدَهُ = إن كنـتَ في سِنَـةٍ فالـدَّهرُ يقظانُ
ما استمرأ الظَّلمَ لو أنصفتَ آكِلُهُ = وهـل يَلـذُّ مـذاقَ الـمرءِ خُطْبانُ
يا أيها العالِمُ المَرْضِـيُّ سيرَتُـهُ = أبشِـرْ فأنـتَ بغيـرِ المـاءِ ريانُ
وياأخا الجهلِ لو أصبحتَ في لُجَجٍ = فأنـت ما بينهمـا لا شـكَّ ظمآنُ
لا تَحسبـنَّ سُـروراً دائمـاً أبداً = مَن سَـرَّه زمـنٌ ساءَتْـهُ أزمانُ
إذا جَفَاك خليـلٌ كنـتَ تـألَفُـه = فاطلُـبْ سِواهُ فكلُّ الناسِ إخوانُ
وإنْ نَبَتْ بك أوطانٌ نشأتَ بهـا = فارحـلْ فكـلُّ بـلادِ اللهِ أوطـانُ
يا رافلاً في الشَّبابِ الرَّحبِ مُنْتَشِياً = مِن كأسِهِ، هل أصاب الرشدَ نشوانُ ؟
لا تَغترِرْ بشبـابٍ رائـقٍ نَضِـرٍ = فكـم تقـدم قبـلَ الشّيـبِ شُبّـانُ
ويا أخا الشَّيبِ لو ناصَحتَ نفسَكَ لم = يكـن لِمثلِـكَ فـي اللَّذَّاتِ إمعـانُ
هَبِ الشَّبيبةَ تُبدي عُذرَ صاحِبِها = ما عُذرُ أشْيبَ يَستهويه شيطـانُ ؟!
كلُّ الذنـوبِ فـإن الله يغفرهـا = إن شَيّـعَ المـرءَ إخلاصٌ وإيمـانُ
وكلُّ كسرٍ فـإن الدِّيـنَ يَجْبُـرُهُ = وما لكسـرِ قنـاةِ الدِّيـن جُبــرانُ
خُذهـا سوائـرَ أمثـالٍ مهذبـةً = فيهـا لمـن يَبتَغـي التِّبيـان تِبيانُ
ما ضَرَّ حَسّانَها - والطبعُ صائِغُها - = إن لـم يَصُغْهـا قَريعُ الشِّعرِ حَسّانُ

---------------------------------------------------






الاثنين، 28 يونيو 2010

* عبقرية العقاد *






عبـقريــة العـقـاد
-----------------


بسم العقاد , فإن كان العقاد عملاق الادب , فبسم الادب ، فإن كان الادب جمال الكلمة ، فبسم الكلمة ، فإن كانت أعظم كلمه هي الله ، فبسم الله الرحمن الرحيم .

اكتب هذا المقال بخمسة اقلام ، قلم الجمال وقلم الادب وقلم التاريخ وقلم العظمة وقلم الخلود ...

اقول ..

قد يستلزم الامر في بداية الحديث عن بعض الرجال العظماء ان نبدأ بمقدمة عصماء لا تجد فيها نقصا ولا عوجا ، وقد يجرنا ذلك الى تشبيهات لا طائل لنا بها ، سوى تكحيل عين القارئ بتلك الالفاظ والكلمات حتى ينسجم مع فكرة المقال .. الا ان ذلك مختلف هنا .. فلا حاجة لي بذلك ولايستقيم بتاتا ان يستفتح هذا الاسم بمقدمة غايتها تزين القبيح وتعطير النتن من الرجال ، او ينتهي بخاتمه تشفع له ، فذكر هذا الرجل هو مقدمة وخاتمه ، واسمه تاريخ بحد ذاته ، واسطورة لا مثيل لها اذا اردت ان تبحث بشبيه له ..

ولامفر من اللجوء الى جملة شارحه اذا اردت الوصول الى ذلك المعنى ، فأقول ، ان من العسير على الذهن اقناعه بوجودِ طبيعةٍ من غير ألوان ، و وردٍ من غير شذى ، وبحرٍ من غير موج ، وشمسٍ من غير ضوء ، الا ان ذلك يهون ويسهل عند اقناعه بوجود ادبٍ من غير العقاد !

ان الكلمات الجمالية في اللغة لتغص في حنجرتي من كثرة ازدحامها لكي تخرج وتقترن بالعقاد ، وإنها لتتباهى بين مثيلاتها بوضعها بالقرب من العقاد ، ولا غرابة عندما نلحظ ان مخزون اللغة قد اعلن مسابقة الجمال للكلمات والبلاغات فنتجت عنها ان تزينت كل كلمة بأجمل الثياب وأزكى العطور طالبة القرب من العقاد فأي شرف للكلمة بعد ورودها بجانبه ، فعندما يرتجف القلم وتستحي قطراته على التعبير فاعلم انها ستكتب عن العقاد .

وليعذرني أنصار مبدأ التواضع ، فتلك مبادئ تتلاشى عند الحديث عن العملاق فهذا موضع تعظم فيه الكلمه و تمجد فيه الاحرف وتتباهي فيه الجمل ، فكيف نتحدث بعد ذلك عن تواضع بين السماء والارض ، وكيف يطيب لنا المقام بالقول بين الذرة والفلك ، فهذا من مرفوضات البديهة والفطرة السليمة قبل مرفوضات الحكم العقلي البرهاني .

في هذا اليوم 28 يونيو 1889م في مدينة اسوان ، كان التاريخ على موعد مع احد الرجال الذين لا يعشقهم ، لانهم دائما ما يأتون بلوي ذراعه ، وتغيير مجراه ، ويستقلون بتاريخ ذواتهم ... ففيه ولد عملاق الادب العربي عباس محمود العقاد ، وقد عاش الى يوم 13 مارس 1964 م ، اي مايقارب 75 سنة ، الا ان لا يفوت على ذهن القارئ الكريم ان تلك السنوات وهي طيلة حياة عباس العقاد لهي بعدد السنين والايام وحركة الافلاك والرياضيات ، وهذا مقياس لما هو في التاريخ ، اما بمعيار العظماء فهو تاريخ مستقل بحد ذاته ، فليس من الغريب ان يقول قائل ، حدث كذا في السنة الرابعة من ميلاد العقاد او حدث كذا في السنة التالية لوفاة العقاد ، فهذه من البديهيات التي لا يجهلها الا جاهل يجهل بملوحة البحر او بياض الغيوم او حلو الشهد !

مخطئ من نظر الى العقاد بأنه ظاهرة أدبية قد نالت حيزها من فراغ الادب العربي ، هذا خطأ في الفهم فادح ، فالحق الذي لامرية فيه ولا يجادل فيه او ينكره الا حاقد حسود او على اشكال صاحب السفهود ، ان العقاد ظاهرة كونيه قد نالت حيزها من الفراغ الكوني العالمي ، فلا مفارقة بين الشمس والعقاد ، فالاولى حارة ولكنها ضرورية للحياة وكذلك العقاد في للادب ، والاولى اخطأ البعض في فهمها فعبدها وكذلك العقاد في الادب ، والاولى بعيدة المصدر قريبة التأثير وكذلك العقاد في الادب ، والاولى تدور حولها الافلاك وتجذب اليها الكواكب وكذلك العقاد في الادب ، والاولى ينسب لها الزمن وكذلك العقاد في للادب والاولى مصدرها ذاتي يستمد الضوء منها وكذلك العقاد في الادب.

و لعمري إن من الأخطاء التي تسللت الى رؤوس كثير من الناس , اعتبار التنقل بين صفحات وكتب العقاد هي مجرد تنقل بين ارقام اوراق او بين مادة صفحات , حاشاه ذلك ، انما هي معراج تنتقل بك الى سبع سماوات وتدور بك حول عدة افلاك , وهو الامر الذي يجعلك تتساءل هل بعد معراج النبي الاعظم من معراج ؟!.. ان مجرد طرح هذا السؤال هو من جملة البديهيات المعقوله لقراءة بضعة اسطر للعملاق فكيف هي حال الاسئلة لو تعديت قراءة تلك الاسطر ووصلت لكمال كتاب واحد ناهيك عن عدة كتب !

عندما سُإل العقاد حول الحركة الادبية فقال : انها بخير , فقيل له لماذا ؟ قال : لانني موجود .. لله درك .. سيظل الادب بخير مادامت كلمات العقاد تمتد وتمتد وستظل بخير طالما هناك ورقه ذيلت بإسم العقاد , لقد اختصر مجد الادب وخيريته بكلمتين فقط انا موجود ! ، كلمتين قسمت الادب العربي الى قسمين ، قسم ادب 1431 سنة ، وقسم ادب العقاد .

ان اسم العقاد ليس مجرد لفظ ذكر في صخره العظماء والعمالقه .. ان اسم العقاد هي تلك الغمامة التي مازلت تمطر بفكرها العميق وتطل بأدبها الجميل حتى أعتلت درجه السماء فاذا هي سماء ثامنه ، تدور في فلكها عظماء الادب وكبار الفكر .

ان العقاد هو النموذج الوحيد المقصود الذي انفرد على وجه الواقع لما تمناه فيلسوف الشعراء ابي العلاء المعري عندما قال : واني وان كنت الاخير زمانه .. لآت بما لم تستطعه الأوائل .. ولا غرابة البته عند كل ذا حق ينسب الحق لأصحابه بوجود "اني" في البيت فما هي لعمري إلا عائدة على العقاد ولكنها جرت على لسان المعري غفر الله له فالمعني هو العقاد لا المعري كما يغلب ظن الاغلبيه ، وقد كان فيلسوف الشعراء ابي العلاء المعري عندما يذكر ابيات لشعر غيره ، فكان يقول ، قال فلان الفلاني ، الا انه عند ذكره للشاعر المتنبي فكان يقول ، قال الشاعر المتنبي ، فكان لايعد احدا من قائلي الشعر شاعرا الا المتنبي ، فليس كل من يكتب ابيات قيل عنه شاعر ، هذا بمقياس العامه ، اما مقياس المعري فهو فيقتصر على المتنبي فقط ، واذا جاز لي ان استعير هذا المقياس وقسنا به الادب العربي ، فلا مناص من ذكر كل كاتب وأديب باسمه فقط دون تقديم ، اما اذا وردنا هذا المقياس على العملاق العقاد ، فحق لنا ان نقول ، قال الاديب العقاد ! .

العجب يبلغ اشده عندما نقرأ ماسطره العقاد من دون ان نعلم ان هو كاتبه .. وما ان نعلم ان تلك بقلم عباس العقاد حتى يجد الشخص نفسه قد وقف تلقائيا بفطرته الطبيعيه إجلالا وتقديرا لكلمة عباس فان هو اكمل العقاد سيجد ان قشعريرة جسمه قد بدأت كذلك بالوقوف ، علما بأن القلب اثناء القراءة يحدثك بأنه العملاق العقاد وبعد ان بان لك وجه الحقيقة وجدت اللسان نطق " لاريب هو عملاق الادب " .

ان كلمات مثل هذه ماهي الا طلب الاعتذار والعفو ، لعدم بلوغ المنال والوفاء لتقدير العملاق العقاد ، فغايه الأمل و الرجاء ان لاتندرج هذه المقاله تحت اسم المقالات الادبية او الفكريه او الشخصية فلا طائل لي بذلك ، وغايه ما ارجوه وأصبو إليه ان تندرج هذه المقاله تحت اسم المقالات العقادية .. وعساها ذلك .

العجيب في هذا المقال انني اكتشفت في النهاية انني كتبت هذا المقال وانا واقف فلم اشعر بنفسي وانا اكتب ، فلا معنى للزمن بين يدي العقاد ، فقد جف قلمي ولم يجف فكري وقولي عن العملاق .. والأعجب منه انني وجدت بعد ذلك ان التاريخ كان واقفا بجانبي .. يبتسم :)

-----------------------------------------------------


* من اجمل اقوال عملاق الادب العربي عباس محمود العقاد : -
--------------------------------------


- " انني لا اتمنى ان اصل الى سن المائة كما يتمناه غيري ، وانما اتمنى ان تنتهي حياتي عندما تنتهي قدرتي على الكتابة والقراءة ، ولو كان ذلك غدا " .

- " فليست اضافة اعمار الى العمر بالشيء المهم الا اعتبار واحد ، وهو ان يكون العمر المضاف مقدارا من الحياة لا مقدارا من السنين ، او مقدارا من مادة الحس والفكر والخيال لا مقدارا من اخبار الوقائع وعدد السنين التي وقعت فيها ، فان ساعة من الحس والفكر والخيال تساوي مائة سنة او مئات من السنين ، ليس فيها الا انها شريط تسجيل لطائفة من الاخبار طائفة من الارقام ... كلا ... لست اهوى القراءة لأكتب .. ولا أهوى القراءة لازداد عمرا في تقدير الحساب .. وانما اهوى القراءة لان عندي حياة واحدة في هذه الدنيا ، وحياة واحدة لا تكفيني ، ولا تحرك كل مافي ضميري من بواعث الحركة ، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني اكثر من حياة واحده في مدى عمر الانسان الواحد ، لانها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وان كانت لا تطيلها بمقادير الحساب

- " ولئن تمنيت شيئا بعد السبعين لأتمنين ان اعيش فلا اعيش عبثا ولا فضولا وان اعيش كما عشت بحمدالله على الدوام ، احقابا واحقابا الى الامام ، فيقول الناس اليوم ما كنت اقوله قبل عشرات الاعوام ، فذلك هو العمر الذي احتسبه سلفا واعيشه قبل حينه ، فلا يكلفني انتظاره الى الختام " .

- " ولقد تعبت كثيرا في تحصيل الادب والثقافة ، ولكنني اعترف بعد هذا التعب كله بقصوري عن الغاية التي رسمتها امامي في مقتبل صباي ، فلم ابلغ بعد غاية الطريق ولا قريبا من غايته ، واذا قدرت ما صبوت اليه بمائة في المائة ، فالذي بلغته لا يتجاوز العشرين او الثلاثين " . – مع العلم ان العقاد ترك لنا من مؤلفاته ما يفوق المائة كتاب ، و15 الف مقاله ... ومع هذا فلم يبلغ الا عشرين او ثلاثين من غايته !!! .

- يقول عنه د.طه حسين : " تسألونني لماذا أؤمن بالعقاد في الشعر الحديث وأومن به وحده، وجوابي يسير جدا، لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد مالا أجده عند غيره من الشعراء... لأني حين أسمع شعر العقاد أو حين أخلوا إلى شعر العقاد فإنما أسمع نفسي وأخلو إلى نفسي. وحين اسمع شعر العقاد إنما اسمع الحياة المصرية الحديثة وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث " ... وقال " ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه " .

- ويقول د.زكي نجيب محمود (فيلسوف الادباء و اديب الفلاسقة ) : " إن شعر العقاد هو البصر الموحي إلى البصيرة، والحسد المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذي ينتهي إلى اللا محدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائنا من كان كاتبه... من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شيء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبرى من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبدالكرنك منها إلى الزهرة أو جدول الماء، وتلك صفة الفن المصري الخالدة، فلو عرفت أن مصر قد تميزت في عالم الفن طوال عصور التاريخ بالنحت والعمارة عرفت أن في شعر العقاد الصلب القوي المتين جانبا يتصل اتصالا مباشرا بجذور الفن الأصيل في مصر " .


الأربعاء، 9 يونيو 2010

* اسطول الحرية في الميزان *







اسطول الحرية في الميزان !
--------------------------



يحاول صاحب هذا القلم ان يدرك بقدر المستطاع ذاك الحدث الماثل امام اعين العالم والذي يشتد طرفيه بين مغالي ومسفه , وكثر الحديث والكلام عنه حتى عُـدَ من خاضوا فيه يماثل عدد امواج البحر التي حملت ذلك الاسطول ، فالحدث ماثل امام العين يحاول العقل ليدركه ويستفهمه ومن ثم فلابد من كلام ينطق به اللسان واسطر تجري عليها القلم .

" الحكم على الشيء فرع من تصوره "

طائفة من الناس ينتمون الى طوائف شتى وعقائد عده ليس هناك رابط بينهم سوى عقيدة الانسانية وشعور النجده لاخوانهم في تلك العقيدة ، رأوا ان من الاجدر مساعدتهم ومد يد العون لهم دون الاقتصار على الطريق الغير مباشر لهم ، وفي تصورهم ان فعلتهم هي الواجب الاسمى فعله فهناك اناسا في امس الحاجه للمساعده والاغاثه ولاعذر في التخلف خطوة واحدة !

واذا شئنا ان نضع ذلك الحدث في موضعه فلابد لنا من ميزان نقيس به ، كعادة استاذنا عملاق الادب العربي عباس العقاد ، ومن ثم فاننا نقول " اسطول الحرية في الميزان " :-

1. فضح الاسلوب الاسرائيلي وجديته في مسائل السلام واحترام حقوق الانسان الدولية .
2. الاعتداء الغير مبرر على اسطول الحرية لمنع وصول المساعدات والاغاثه .
3. مجازفة المسافرين بارواحهم تجاه عمل غامض ليست نتائجه متوقعه ولا مضمونه .
4. موقف الدول العربية المخزي والذي اقتصر كعادته على التصاريح بعدم الرضا تجاه تلك الافعال والادانة لها .
5. الموقف الامريكي الداعم لاسرائيل رغم الانتهاكات ، والذي جاء على لسان بايدن – نائب الرئيس الامريكي –حيث قال : " ان من حق اسرائيل المطلق الدفاع عن امنها من خلال تفتيش السفن التي تتوجه الى غزه خشية ان تنقل سلاح الى حماس " ! .
6. بيان اهمية اسرائيل دوليا واعتبارها ووزنها .
7. زجر وغضب من قبل الاسرائيليين تجاه حكومتهم .
8. الاقتصار على الاجراءات الشكليه والوعود التي لا طائل منها من قبل الهيئات والمنظمات العربية والدولية .
9. ندم اسرائيل على تلك الافعال الغير محسوبة .
10. ارتفاع ارصدة تركيا الاسلامية لدى الدول العربية بالذات .
11. بصيص امل لاستعادة مكانت الاسلام دوليا في الاعين التركية .
12. بروز نجم تركيا وقوتها في التهديد دوليا .
13. موقف مستغرب لايران !


ذاك بعض مما وضع بالميزان ، ولا اريد ان اطيل الحديث فالامر ممتد ويطول ، وليس هذا موضعه ، وانما اردت الاقتصار فقط على بعض الملامح التي خلفتها تلك الافعال المصاحبة لاسطول الحرية ، وبعد ذلك فاننا نقول ، لا نرى اي مثلب يمكن توجيهه ضد اسطول الحرية حتى لو تصور البعض فكرة التهور او تمثيل لمسرحية ، فليس ذلك مما يوضع في الميزان ، وانما موضعه في مزبلة الفكر والمنطق ، ولا اعلم ولا اريد ان اعلم ماهي المنهجية المتبعة التي اوصلت هؤلاء لتلك النتائج ، فلا اعتبار للسفيه في الاعمال التكليفية !

ولا يفوتنا بيان ان تلك الافعال انما كانت وليدة التضحية لغاية سامية وهدف نبيل ، على الرغم من عدم توقع النتائج ، الا انه مع وضوح صورة الاسلوب الاسرائيلي الغير مستغرب فلا ارى ان منطقيات العقل والتضحية تشير الى مقابلة ذلك الاسلوب بالعناد ، وتوجيه سفن الاغاثة والمساعدات مرة اخرى في نفس الاسلوب ، فهذا ما اراه يقع تحت مظلة التهور وعدم ادراك النتائج المتوقعه لهذا الفعل وليس بعيد بان يميل الى القاء النفس الى التهلكه ، وهذا ما يمنعه العقل قبل الشرع ، فلا مبرر حتى لو كانت الدواعي انسانية ارسال المساعدات البحرية بنفس تلك الخطورة المتوقعه ، فالاسلوب الاسرائيلي كما بان لا يبالي بتلك الممارسات التي وصلت لقتل الابرياء تجاه عدوه ، فلم تخسر اسرائيل جراء فعلتها الاخيرة امر مهم ، فالامر لايتجاوز حدود الزخم الاعلامي التي ينتهي بعد سقوط الايام القادمه ، مع رجحان تبرير موقف اسرائيل بانه موقف شرعي تستدعيه منطقيات وابجديات السياسة ، والتاريخ خير شاهد !

اما بصدد التنبوء بالعلاقات التركية – الاسرائيلية ، بعد تلك اللهجة العنيفة بعض الشي التي استخدمتها تركيا تجاه اسرائيل ، فهي ستتضح بعد ان نعلم طبيعة تلك العلاقة المتبادلة سابقا ، وهي التي تجعلنا في نهاية المطاف نهمش فكرة قطع العلاقات نهائيا بين الدولتين جراء ذلك الحدث ، وتجعلنا نرجح ان الامر لايتجاوز فقط الجفاء والهجر الذي يعقبه وصال وألفه على اساس المصلحه ، ويبين ذلك عندما نعلم ان الاقتصاد الاسرائيلي تنفسه الاهم والاعلى تجاه التجارة الدولية هي تركيا ، خصوصا في تلك العزلة التجارية التي تعيشها اسرائيل ، فقد وصلت القيمة المتبادلة بين البلدين في عام 2008م رقما قياسيا حيث بلغ قدره 3.3 مليار دولار ، وصلت فيه الصادرات التركية 1.9 مليار دولار , الامر الذي جعل تركيا الشريك التجاري الثامن لاسرائيل ، وعلى حد قول احد مصادري – وهو حلاقي التركي – ان هناك مايفوق 400 شركة اسرائيلية في تركيا ، بالاضافة الى ماتقدم دور القطاع السياحي بين البلدين والذي به استقطبت تركيا نصف مليون اسرائيلي في عام 2008 م اي مايعادل 7 الى 8 % من مجموع سكان اسرائيل ، اضف الى ذلك دور القطاع العسكري الذي بلغت فيه الصادرات العسكرية الاسرائيلية 6.3 مليار دولار عام 2008م استوعبت تركيا منها حوالي نصف الصادرات من السلاح !