الأربعاء، 5 يناير 2011

دكان الحكومة ورائحة الثورة





  دكان الحكومة ورائحة الثورة


في العلوم العقلية يدرس هناك الجهل ، ويتم تقسيمه الى قسمين - مع وجود انواع اخرى ليس مقامها هذا المقال - : جهل بسيط وجهل مركب ، والبسيط هو المتعارف عليه لدى الناس وهو الجهل الذي تعلمه باول نظرة ومن اول كلمة ، فعندما يتحدث شخص عن بعض المعارف وهو غير عالم بها فهو اذا بكل تاكيد جاهل بسيط ، ولاصعوبة في فهم هذا الجهل او معالجته بصورة بسيطة ومعلومه ، الا ان القسم الاخر وهو المركب تكمن الصعوبة فيه فهو جهل غير معتاد ، ويمكن اعتباره انه جهل فوق جهل ، اي بمعنى ان ذاك الشخص لديه جهلين ، جهل اولي بالحديث وجهل مركب عليه وهو جهله بمعرفته انه جاهل بجهله ، فتجد نفسك امام جهل مركب مطبق !

ولتوضيح ماتقدم فاننا نقول لتقريب الصورة ان هناك افراد من الشعب - وللاسف - لديهم جهل بسيط كما بينا انفا ، وكم هي دعواتنا وامنياتنا في ان يرفع الله عزوجل عنهم ما ابتلاهم به ويبدلهم بنعمتي العقل والتفكير ، اما الصورة الاخرى والتي تعني بالجهل المركب فلا نجد كما هو الواقع مثال اقرب للبيان والتشبيه من مثال الحكومة ، فهي وكما هو معلوم فوق انها جاهلة بكل شي تتكلم عنه داخل في امور السياسة والحكم والدولة ناهيك عن التنمية فهي بالاضافة الى ذلك نجد ان كاسها قد مُلئ ايضا بالجهل المركب ، واصبحنا امام حكومة جاهلة تجهل جهلها ، ولم تصب الامم والدول ببلاء فوق ذلك ، لانها تجد تبريرا لكل فعل تقوم به ، ومع هذا فهي تستخدم هذا الجهل في تعاملها مع الافراد من الشعب ، ولك ان تتخيل اخي القارئ ماهي الصورة النهائية لتراكمات تتسم بالجهل البسيط تارة والمركب تارة اخرى !

ولست بصدد افراغ غضبي على هذه الورقة ولو اردت ذلك لما كفتني هي ومثيلاتها ، لان الله يزع باليد ما لا يزع بالقلم ، ولست بصدد شرح المشهد السياسي لانني باختصار لا اراه كذلك بقدر ما اراه مخاضا سياسيا نمر به ، ولكن ما اعنيه بهذا المقال ان الوضع المعاصر اصبح شبيه لدرجة عدم المفارقة بحالة اقتصادية تتحكم بها قوانين العرض والطلب ، والحركة والسكون ، وليس بها ثمة اي علاقة بينها وبين السياسة التي نقراها في الكتب والنظريات ، او عالاقل بتسيس السياسة كما ورد على لسان احداهن !
 
ولذا ارى ان الوضع الحالي هو عبارة عن تجارب نيابية بدات منذ عهد الصدر الاول من الدستور ومازالت تلك التجارب النيابية تسعى حثيثة وكلها امل بفعل قواعدها الشعيية الابية للوصول الى سنام الديمقراطية ، واظن - وهو عندي ليس بيقين - ان من الخطا اطلاق كلمة الديمقراطية على البرلمان الكويتي ، واجد ان من الاجدر والاوفق اطلاق كلمة التجربة النيابية او المخاض الديمقراطي ، لما اراه من فقدان مفاتيح اللعبة الديمقراطية السياسية !

ولكنني - واعتذر عن ذلك - اجد ان تلك التجربة كانت فيما مضى وورد عليها الوقف دون الانقطاع ، خلال السنوات الانفة ، وتلبست بطابعها الاقتصادي مرة اخرى دون اي سابق انذار بملبوسها الجديد ، اما تلك الصورة فهي صورة ( الدكان ) فاصبح البرلمان اليوم عبارة عن دكان للحكومة ومانواب الامة - ان صح التعبير - الا زبائن ذلك الدكان ، وبهذا لانجد الاستغراب ماثلا متى ما اقفلت الحكومة دكانها متى شاءت وفتحته متى طلبت واشترت متى احتاجت وباعت متى ارادت !

ومما يجعلنا في حل وهو من الجائز وحق مشروع للجميع استبدال كلمة سياسة الحكومة الى كلمة اخرى بديلة ، ولا يشترط بها قرب معناها او مقاربة فحواها ، فيكفي وهو لك ان تقول شركة الحكومة او دكان الحكومة او بالاحرى بيت الحكومة ، وليس من الخطا بشيء كذلك استبدال كلمة الحكومة بناصر المحمد ، ولك ان تتصور روعة صياغة الكلمات  المذكورة سلفا وبلاغتها باضفاء رونق سموه الكريم !

حينما وصلت الاخبار الى تشرشل عن ثورة ١٩١٩م - الثورة المصرية الوطنية - سالهم ماذا يريدون ؟ فقالوا : يريدون دستورا وبرلمانا ! فقال : Give them a toy to play with ! .. ما عنيه تشرشل انذاك هو ان الشعوب العربية وعلى راسها مصر مهما بلغت من تحرك شعبي جاد نحو كسب مطلب الديمقراطية والدستور فانهم لن يجدوى منفعة من ورائها ، لانها باختصار لعبة يتم اعطائهم اياها لكي يتم اسكاتهم وهم سعداء ، وهذا الوصف قريب جدا لما صرح به د.عبدالله النفيسي في احد مقابلاته التلفزيونية من ان الديمقراطية العربية لا سيما الخليجية التي سمحت بها الامبريالية الاجنبية المستعمرة تخضع لشعار ( قل ماشئت .. وافعل انا ما اشاء ) فاصبحت الديمقراطية لتلك الشعوب افيونا ولعبة يتم التسلي بها فقط ، تحت هذا الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي ، الا ان ذلك من الممكن التسليم به فيما مضى اما مانستشفه في المستقبل من هذه الايام الدول ، ماهي الا ان اللعبة عادت الى مقصلة تشبه مقصلة الثورة الفرنسية ، الا انها ستكون لكل من تسول له يده بالمساس بالدستور والعبث بنظامه وتجريد الامه من سيادتها وسلب حرية اختيارها ، وهنا اتذكر مقولة للعملاق الموسوعة جبار القلم عباس العقاد حينما كان نائبا في مجلس ١٩٣٠م وتم العبث بالدستور المصري ققال : ( ان هذا المجلس على استعداد ان يسحق اكبر راس في البلاد في سييل حماية الدستور وصيانته )  وقال في موضع اخر : ( ان الاستبداد لايقف عند حد ولايعرف القيود والمحرمات فاذا طمع اليوم في شيء فسيطمع غدا مماهو اكثر منه واذا قلت اليوم انك ترضيه بالطاعه في هذا وذاك من الامور فلن ينقضي عليك ايام حتى تعلم ان الطاعة في هذا وذاك من الامور لايرضيه ولا تكفيه وانه ينتظر منك المزيد والمزيد حتى لاتعلم الفارق بين الرضا والغضب ) .

قد كتبت فيما مضى وتحديدا في تاريخ ١٥ نوفمبر ٢٠٠٩م مقالة عنونتها ب ( الطريق نحو الثورة ) ثم اتبعتها بمقالتين وهما : ( معالم على طريق الثورة - الحرية حطب الثورة) وتطرقت بتلك المقالات ما اقصده من الثورة ، التي تنبات بها منذ ذلك الحين ، واجد ان الايام تصدقني ، وها انا اراقبها حذوة القذة بالقذة بعين المتامل المراقب ، الا انني اليوم قد شممت رائحتها عن قرب ، والعجيب ان الرائحة تخرج من دكان الحكومة !

كم هو جميل ان تستعيد قراءة كتاب ( كفاحي ) للفيلسوف هتلر - ذلك النازي الذي اتغنى به - لا سيما فصله ( النظام البرلماني ) والذي اجد فيه انه يخيط لنا ثوبا نرتديه بدلا من ثوبنا الاخرق !

 يقول هتلر - وما اجمل مايقول - :
 
( ان نظامنا البرلماني بحالته الحالية لايهمه قيام مجلس تحتشد فيه الكفاءات بقدر مايهمه حشد قطيع من الاصفار يسهل توجيهه بحيث يظل الممسك بالخيط من وراء الستار بعيدا عن كل مسؤولية ، وفي كنف هذا النظام تنتفي كل مسؤولية حقيقية ، وعندي ان هذا النظام لايعجب الا المرائين الذين يخشون العمل في وضح النهار ولايمكن ان يطمئن اليه كل رجل حر مستقيم . 

 ان الزعيم ليعد نفسه سعيدا ومحظوظا اذ يُدْعَى الى اتخاذ قرارات مهمة فيجد الاكثرية مستعدة لتغطيته ، ويكفي للحكم بفساد النظام البرلماني ان تقع العين مرة واحدة على احد لصوص السياسة وهو يستجدي بقلق وقبل ان يتخذ قراره موافقة الاكثرية على هذا القرار مُؤَمِناً بذلك العدد اللازم من الشركاء حتى اذا قام من يناقشه الحساب تنصل من كل مسؤولية .

لقد شقوا عصا الطاعة لا على الامة ولا على الدولة نفسها بل على اسلوب في الحكم يهدف الى القضاء عليهم ، وافهموا هؤلاء انه لايحق للدولة ان تفرض احترامها على الشعب عندما تعبث بالمصالح العامة وتتعمد الحاق الاذى بهذا الشعب وان سلطة الدولة لايمكن ان تكون غاية بحد ذاتها والا كان كل طغيان مكرسا ومقدسا ، وعندما تقود الحكومة الشعب الى الخراب بشتى الوسائل والامكانات يصبح عصيان كل فرد من افراد الشعب حقا من حقوقه بل واجبا وطنيا ) .

خلاصة ماتقدم ان ماتقوم به الحكومة بجهلها المركب مع افراد الشعب لهو نذير شؤم لها ، تابط به الشعب شرا ، وستنبئنا الايام صدق هذه الرائحة المنبثقة من الدكان ، وحينها سيكون لي تامل اخر بعين اخرى .. وبالتاكيد سيكون بقلم من رصاص !