الأربعاء، 3 مارس 2010

* في ظلال المدينة *







فــي ظــــلال المـــدينـــــة

--------------------------


يجد الناظر في خلود تاريخ البشرية ، ان من قبيل الخلود اقتران البشر ببعضهم البعض لاسيما بالعظماء ، فإذا ما اقترن أمر معين بعظيم ولد هذا من رحم التاريخ ليخلد فيه ، حتى لو كان ذاك من جملة هوامش الحياة ومن حقارتها ، بل حتى لو كان من فئة الحيوانات ، فكم تكلم التاريخ عن كلب و هدهد وعن حمار ونملة !!

إلا أن الامر يختلف هنا ، فعند الحديث عن اقتران عظيم بعظيم فالمسألة تنتهي بخلود الأزل وذل التاريخ واستصغار السير ، وغالب الأمر أن التاريخ يتحدث بلسان الحب وهو يصوغ اسمى مراتب الحب ويعقد اجمل عقود الدر بين هؤلاء ، وهذا الامر يتماثل في البشرية والخلق ، بطبيعة فطرتهم وتكوينهم واعتقادهم ، اما اذا تحدثنا عن من هم اسمى من البشرية ، فبلاغة الحديث تختلف وحسناوات الكلمات تبتهج واسطر التاريخ تلغى .

وهنا فقط ، عند هذا الأهبه نستطيع الحديث عن الأنبياء والرسل – عليهم افضل الصلوات والتسليم – عن من خصوا بالوحي الإلهي والكلام الرباني والقبس النوراني .

وهنا فقط ، تتفجر عيون الدماء وتتسارع ، تعلن حالة الطوارئ القصوى في كل الجسد ، وتتوحد المجاري متجهة قاصدة العقل والتفكير ، فيثور بركان الكلمات وتغلي ينابيع الصياغات ، تعلن أعظم مسابقة لجمال البلاغات ، فتتسابق لترتدي اجمل الثياب وتتعطر بازكى الروائح وتتزين بأبهى المناظر ، فينتقى من اجملهن اجملهن ، ومن أحسنهن أحسنهن ، ثم تجري جري الأنهار نحو قلامة اليد ، فتسكب على ورق التاريخ بقلم الجمال الخالد .

سبحان من قرن حب نبيه بحبه ، وطاعة نبيه بطاعته ، وعظمة نبيه بعظمته ، فكان لزاما على جميع متبعيه حبه وطاعته وعظمته ، وكان لزاما على جميع متبعيه وصاله و قربه.

ان الكتابة عن النبي الأعظم محمد – صلى الله عليه وسلم – لذو شجون ولذو عظمة ولذو خشوع وشغف ، كيف لا ، وقد نطقت الجمادات بحبه و ولهه ، فشتاقت إليه وهي الجماد الذي لايعقل ، إلا انها عظمت في التاريخ بصلتها بالرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم - ، فحن إليه جذع النخله اذ فارقه ، مشتاق لطيب الانس والوصل والقرب ، فنتابه الحزن الشديد والشوف العميق ، وهو الجماد الذي لايعي ، لان الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم – قد هجره ونواه ، حتى اذا عاد الوصل والأنس و القرب صمت أنين الجذع وفرح وهو بين احضان حبيبه ... ألم تمشي إليه الأشجار تعلن له القرب والوصل .. اذا !! .. فما بال اصحاب العقول والقلوب حبهم له قد قل ، و وصلهم له قد انحل ، وتقديرهم لغيره قد جل !!

ان احوج ماتحتاج اليه هذه الامة في هذا الزمان هو حسن وطيب الوصل برسولها الأعظم – صلى الله عليه وسلم – فبه قد عزت ومنه خرج لنا النور الرباني الذي مازال يشع رغم اسوار الحاقدين في الارض .. ان احوج ماتحتاج اليه تلك الامة المريضة ان تنظر الى شريعتها بعين التابع وبأذن المعتبر ، ثم تترجم ذلك بيد الواقع .

ان الواقف المتأمل على اسوار هذا الدين ليجد من البداهه ان هذا الدين يأبى ان يقتصر بحدود الصدور وبذوات الأرواح والوجدان وينعزل عن الواقع ، ممنوع من ان يمد يده نحو الحياة ومنهجها وسننها ، انه يأبى ان يكون مثل ذلك ، ومن هنا نعلم ان هذا الدين انما منهج متكامل لا ينظر اليه من جانب واحد وزاوية واحده ، وانما لا يكتمل الا بعد ان توضع شرائعه في صورة متناسقه متجانسة ومن ثم تظهر الصورة الجميلة لهذا الدين العظيم .


ان هذا الدين لا يمكن تصورة ولا تشكيله على هيئة افراد متفرقين ، او بصورة مقسمة وبألوان محدده ، فهو على العكس من ذلك تماما ، فهذا الدين يربي الافراد بالمجتمع ، ويلون الصور بأبوان متعدده جميلة متناسقه تنسجم مع سنن الحياة ومتغيراتها ، تحت ظل المنهج الرباني .

ومع قدر رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – في قلوبنا وأرواحنا الا ان هذا الدين قد علمنا ان الاستسلام لا يكون الا للخالق عزوجل وحده دون احد من خلقه ، فالذات الإلهيه تأبى ان يشاركها مخلوق وتمنع من اقترانها بمولود ، وتجعل علاقة المخلوق بالخالق عزوجل علاقة تمتد لها ايادي المحبة وتعتصم بحبال الطاعة .


ان اليد البشرية لتأبى ان تخط كلمات الحب برسولها الأعظم – صلى الله عليه وسلم – بما هو أهل لذلك وما هو على قدر الوفاء ، انها لتجد من الاستحالة مهما بلغت كلماتها من التطابق الجميل والتجانس الرائع ان تصيغ حروفا تفي بعظمته ، واذ هي بذلك تجد نفسها في النهاية ان ماقدمته ما هو الا رسالة اعتذار عن عدم الكمال والوفاء ، وماهو سوى الطمع بالشوق لنيل الغاية والمنال وهي الرضى وقبول الاعتذار .

وعند هذه السجادة الخضراء التي جلست تحتها فقط ، تسكب العبرات ، وهنيئا لها ذلك ، وعندها فقط تحكى الحكايات ، وما اروعها هنالك ، وفيها فقط تروى الحكم ، وهي الأجدر بذلك .

دعوني .. فالقلب قد دعاه هواه ، وتشوف لرؤية مناه ، وتفطر من ألم صداه ، واشتاق لنيل رضاه .



( اكتب هذا المقال وانا اتقلب فرحا بين السماء والارض .. فتارة على السجاد الاخضر بين المنبر والمنزل ، واخرى على السجاد الاحمر بين العبد والعبد .. في طيبة المدينة المنورة على صاحبها افضل الصوات والتسليم )